الجمعة، 4 يونيو 2010

فكرة المدرسة العلمية

التعليم في البلدان المتقدمة هو الذي حمل الراية نحو التغيير والانطلاق بالأمة إلى العالمية و أعلن نهاية عصر التبعية للغير وتحرير الشعوب والحكومات من الحالة المستهلكة إلى الحالة المنتجة وفي المملكة العربية السعودية يقف التعليم ليس على الحياد من عملية التنمية بل يقف في منتصف طريق التنمية وهو من العوائق بسبب ما يلحقه بالمجتمع من ضرر جراء النوعية التي يخرجها يوما بعد يوم لسوق العمل وهي لا تفي بالحد الأدنى من الكفاءة التي تخولهم للقيام بالمهام المطلوبة منهم كعاملين مساعدين فضلاً عن أن يكونوا أصحاب مبادرات ,ومن المعلوم أن هناك نماذج متميزة من المخرجات للتعليم نفسه لكنها تضل أقل من الطموح الذي يصبوا إليه المجتمع ويأمل في تحقيقه, إن المتأمل في المستوى التحصيلي والمهاري لخريج الثانوية العامة لدينا يصاب بصدمة كبيرة لما يجده من الفارق الكبير بين مستوى الخريج والطموحات فهناك أعداد كبيرة منهم بالرغم من تحقيقهم درجات عالية جداً في اختبارات الثانوية العامة إلا أن إجراء اختبار تحصيلي مقنن أو اختبار قدرات محايد كفيل أن يجعل معظم أصحاب المعدلات العالية خارج أسوار الجامعة بسبب عدم تحقيق الحد الأدنى من العلم والمعرفة, إن المشكلة من الوضوح بمكان حتى لاحظها غير المتخصص فضلاً عن التربويين والأكاديميين وقد استعصت عن العلاج والسبب أن المشكلة تكمن في المدرسة كنظام تعليمي فهو يحتاج لغربلة و إعادة بناء بما يضمن جودة المنتج و زيادة الكفاءة الداخلية للمدرسة على أن تشمل إعادة البناء تغييراً حقيقياً يسهم في سد العجز الذي تعاني منه التخصصات المطلوبة في سوق العمل أو الاحتياجات في المنافسات العالمية التي هي المحك الحقيقي للتقدم في التعليم.
إن الأعداد المتزايدة للمشرفين التربويين الذين يتناوبون على زيارة المدرسة والتفتيش عليها تحت أي مسمى من مسميات العمل الإشرافي لهي في حقيقة الأمر سلب لسلطة مدير المدرسة وتحجيم لدورة التربوي المأمول ,فضلاً عما هي عليه من هدر مالي كبير مقابل إنتاجية ضعيفة جداً , إن من الأعمال التي يقوم بها المشرف التربوي ما هو للتأكد فقط من مصداقية البيانات التي يرفع بها مدير المدرسة وفي أحايين كثيرة تبقى البيانات لدى مدير المدرسة ولا يحق له الرفع بها حتى يأتي المشرف التربوي المختص ليضع توقيعه الكريم على الورقة ليسمح برفعها حينئذٍ للإدارة التعليمية وهذا دليل على أن مدير المدرسة ليس محل الثقة في نظر الإدارة التعليمية , وإن كان هناك من مبرر لذلك فهو وجود تجاوزات من بعض المديرين وعدم دقة في تلك الإجراءات ,والسبب في نظري لتك التجاوزات هو عدم وجود نظام محاسبة في وزارة الخدمة المدنية بشكل عام إن لم يكمن في البلد ككل فلو وضع نظام حقيقي يكفل للمدير حقه في حين يحاسبه عند ارتكاب أخطاء من نوع تظليل العدالة أو تزوير المعلومات بأشد العقوبات لما وجدنا مدير مدرسة واحد يسمح لنفسه بالتلاعب بالمعلومات والرفع بعدد طلاب ليس موجود عنده في حين أن هناك اليوم من التقنية ما يستحيل معه التلاعب في أي معلومات بل إن التغيير الذي يجب أن يتم في المدارس يجب أن يكفل عدم الحاجة إلى سؤال أي مدير أو مسئول عن أي معلومة بل جعلها متاحة لصانع القرار دون سلطة للمدير أو غيره.
وبالرغم من سعي الوزارة لتنفيذ أكثر من برنامج للتطوير إلا أن النجاحات التي تحققت لم تتجاوز نجاح فكرة التطبيق دون التحسن في الكفاءة الداخلية فضلاً عن الكفاءة الخارجية, والسبب يرجع لأمور تتعلق بآلية التغيير المتبعة ,حيث اقتصرت على جوانب جزئية من العملية التعليمة ولم تتعرض لجميع الجوانب, ولذا فهناك من يرى ضرورة إعادة هيكلة لوزارة التربية والتعليم لأنها لم تف بمتطلبات التعليم ، في حين يرى آخرون ضرورة التغيير لكامل النظام التربوي من جذوره ، وإعادة بناءه من جديد دون النظر للإصلاح الجزئي الذي يستهدف المقرر مثلاً أو الوسائل التعليمية المساعدة وبين هذا وهذا وعند تأمل الوضع نجد أن التغيير الحق هو الذي يشمل كل جوانب العملية التعليمية ,أي تغيير على مستوى المدخلات والعمليات والمخرجات . فعلى الوزارة الاضطلاع بدور ريادي للتغيير وغير تقليدي, وتحديد رؤية جديدة للوزارة وضع استراتيجيات و أهداف عامة تخدم المجتمع وتتوافق مع حاجات سوق العمل وبما يهيئ للمنافسة مع متطلبات الاعتماد ومعايير الجودة العالمية ، بالتنسيق مع منظمات المجتمع المختلفة، والاستفادة من الأكاديميين في الجامعات بلها الجامعات نفسها, والعمل على التغيير والتحديث بما يحافظ على الثوابت ويسابق التطوير العالمي .و في اعتقادي , هناك ضعف في النظام التربوي من حيث العمليات والمخرجات. والمدرسة هي الوحدة الأساسية في النظام التربوي وهي من ينفذ سياسة التعليم ، وتعمل على تخريج طلابها للمراحل التالية والتهيئة لسوق العمل بتنمية المهارات والميول ،كما نلاحظ أولياء الأمور يعلمون أبنائهم في مدارس أهلية رغبة في حصول أبنائهم على معدلات عالية تسمح لهم بدخول الجامعة حين زاد الطلب على التعليم الجامعي ذلك أن المدرسة أصبحت تملك صلاحية وضع الاختبار و إعطاء الطالب الدرجة ( التي قد لا يستحقها ) بما يكفل لهم قبول في الجامعة , ويكفل للمدرسة تدفق طلابي عالي في السنوات القادمة في حين يضمن للمعلم مقعد بين أعضاء هيئة التدريس للعمل في المملكة العربية السعودية لسنوات أخرى,فالمتأمل للنظام التعليمي لدينا يلحظ هشاشة في خريجي هذا النظام على جميع المستويات وفي جميع التخصصات ما يدعو لإجراء تغيير يضمن وجود مخرج تعليمي جيد يمكن المراهنة عليه في المنافسات العالمية كما يمكن التعويل عيه في مواجهة المستقبل بإذن الله .
وسأقتصر في هذه الورقة على التغيير المتضمن رفع الكفاءة الداخلية والخارجية للمدرسة حتى لو أدى لاستقلال المدرسة عن الوزارة بشكل كامل وسيشمل التغيير : تعديل عدد سنوات الدراسة بالمرحلة المتوسطة , تعديل سنوات الدراسة بالمرحلة الثانوية , تعيل طريقة تناول الوحدات الدراسية , العمل بنظام اليوم الكامل , تقسم العام الدراسي إلى ثلاث فصول دراسية مستقلة ,رفع الرقابة الإشرافية الخارجية عن المدرسة و تمكين مديري المدارس من العمل , التركيز على الجانب العملي للطلاب , إبرام عقود مع المعلمين وقبولهم وفق رخص للعمل , ميزانية مستقلة لكل مدرسة للتشغيل والصيانة, بناء خطة تشغيلية تحقق معايير الاعتماد الأكاديمي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق